عدد الرسائل : 134 العمر : 44 تاريخ التسجيل : 01/01/2009
موضوع: فدائي بين الجبل والوادي الأحد مارس 01, 2009 11:59 am
فدائي بين الجبل والوادي الاسم: فدائي العنوان:فلسطين مكان الاقامة:مغاور فلسطين رقم الشارع:1917
في ذاك اليوم المشئوم وذاك اليوم الاسود الذي كتب علي فيه أن لا أعرف ولا أرى أجمل من هذا اللون الذي اختلط دمي معه وأصبح النهار عندي ليلا والوحوش اصدقائي والخفاش أمسى دليلي والقمر ينير دربي تزينه النجوم والشوك طريقي وخيالي رفيقي. ذاك اليوم يلازم أفكاري يأتيني كل ليلة وذاك الطفل البريء الذي لم يبلغ من العمر الا ثلاثة أشهر جمجمته التي تطايرت على ثيابي ودماغه التي تناثرت على فستان عروستي ذاك الطفل الذي لم يعرف للكره والبغض طريقا ولم يمضغ خبزا من ارض فلسطين أرض أجداده وهذه الارض التي انتظرها تسعة اشهر في بطن أمه وذاك منظر العرس الذي تزوج فيه والده وتلك العادات والتقاليد التي اتبعها الاجداد وسار عليها الاحفاد وتلك الابتسامة البريئة على شفتيه وتلك عباءته التي شربت دمائه الطاهرة تفوح منها رائحة كرائحة المسك وتلك الام التي احتضنت بقايا من جسمه وانطلقت في الزغاريد تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ابني يا اخوان أين أنتم يا أهل العرسان أين أنا في ظل هذا الزمان أين أنا في ظل هذا الغدر والحرمان أين والده وجده ابن خلكان أين الرجولة والبطولة يا من في هذا المكان أناشدكم الله:أهذا في كتاب الفرقان أناشدكم الله:أهذا في التوراة أم من عمل الانسان وبعد رؤيتي لما حصل لتلك الوردة اليانعة التقطت قطعة من ثيابه ووضعتها في جيبي لتعطيني الحماسة والتشجيع للتخلص من هذا الاحتلال الذي لم يفرق بين صغير وكبير والذي لم يعرف الرحمة يوما فتعاقبت الايام وتخالفت السنين بعد أن فرض عليّ العيش في مغاور فلسطين فكان لم يهدأ قلبي بعد مهاجمة مستوطنة أو قافلة أو دورية عسكرية ومدنية وأتعقب من يسرقون أراضي الفلاحين هؤلاء الانذال من أصحاب المستعمرات الصهيونية وهؤلاء المراوغين الناجحين في اسلوب الدعاية والدعابة للدول التي سرعان ما تخضع لهم وتقدم لهم المساعدات العسكرية والاقتصادية وتسهل عمليات الهجرة الصهيونية الى فلسطين أرض الاجداد أرض الميعاد. في هذه الفترة وجدت وكرا لمجموعة من الصقور والتي سرعان ما رافقتني في التفتيش والمراقبة والحراسة على تلك المغارة المهجورة في ذاك الجبل واصبحت لا اطيق النهار ولم أخرج لاراه يوما لانه اصبح ملكا لهؤلاء الصهاينة ، تلك الفترة التي أكلت فيها الافاعي والحشرات وتلك الوجبات التي شاركت فيها الصقور وتلك الحشرات والديدان التي أخذت هي الاخرى من بطني وكرا لهل حتى لم تعد لترى هؤلاء الشياطين، وتلك الصقور التي قادتني ليلا في يوم عاصف فيه أمطار غزيرة ورياح شديدة وسيول هائجة وصخور متدحرجة وتراب وأشواك عائمة وخرير ماء بلون الدم ينادي: أنا دمع من عيون الامهات أنا جئت أعبر عن تلك الويلات لتطمأن على شعب وامهات ماجدات وأغصان الاشجار تعوم في الماء تضرب نفسها في الصخور وتصرخ وتقول أريد أن اموت بعيدا عن ايدي هؤلاء المغتصبين ولا أريد أن يلمسوني بايديهم النجسة والملطخة بدماء الابرياء من الاطفال والنساء والكهلة من شعب فلسطين ، وبينما أسير وأحد الصقور رأيت صقرا اخر في أعلى السماء ينادي ويضرب بجناحيه ويهوي الى الارض ويعود ليرتفع ، فعجبي من ذالك وادركت بان هناك شيء ما قد حصل فصعد رفيقي اليه ليعرف ما به فتبادلا الحديث لبرهة من الزمن ، فعاد رفيقي ليخبرني بانه قد رأى فتاة تلبس ثوب ومنديل وحذاء سود فعجبت من ذاك الامر وطلبت منهما أن يصطحباني معهما لتلك الفتاة وبينما نسير معا رأينا شيء غريب يتحرك فوق ذاك الجبل في الجهة الاخرى من الوادي فتوقفت وذهبت الصقور الى أعلى التلة فسمعت صوت يقول: أين أنت يا ابن فلسطين لعمري ما رايت أحدا مثلك يفدي ويضحي بروحه من أجل أن يعيش أطفالك يا فلسطين بحرية وكرامة فمنذ ذاك يوم عرسنا وأنا لا أعرف النوم وأخذت عهدا على نفسي أن لا أتبرج ثانية وأن لاأترك هذا اللون الاسود الذي لم أستطع أن يفارقني يوما فعادت اليّ احداها تقول لي تقدم ولا تخف هذا نصفك الاخر فرعبت من هذا الخبر الذي لم أتوقعه يوما فركضت مسرعا بعد أن هدني التعب وبعد أن اصبت بعيار ناري في صدري خلال مواجهة طويلة من غروب الشمس حتى قبل قليل حيث أوشك أذان الفجر لاسقط على الارض تارة وانقلب تارة اخرى فلم أعد لاقف ولم أستطع أن أنادي ودموعي تذرف من عيناي على الارض فتفتحت ورود وزهور وأخذت أحرك لها بيدي فعرفتني من ابهامي المبتور المضيء وسط الظلام الدامس فنهضت واتجهت نحوي ، اقتربت مني فسقطت على الارض فضربت الصقور باجنحتها بقوة لتصعد الى السماء فزحفت نحوي ولكنها لم تستطع ولم تبعد عني كثيرا كلها بضعة امتار وتصلني وحاولت مرة أخرى ولكن دون جدوى فالتمست شيء دافيء فذهلت من ذالك فشدت أعصابي وقمت فسقطت جنبهاووضعت يدي على ضفيرتها التي كنت قد وصلتها فاذا به مبتل بشيء ساخن وغزير ينساب معه فتذوقته فاذ هو بدم ينزف فهز بدني واقشعر جسمي فاذا بي أقف وأرفعها عن الارض فنسقط معا احتضنها واحتضنت التراب والازهار معها فهان علي ّ أن أموت ولم أراها في ذاك الحال وعلى الرغم مما أصابها من رصاص رفعت يديها الى السماء لتسأل الله أن يفك كرب أمة الاسلام وبينما أنظر ليديها فلم أرى الا يد واحدة ترفعها فصرخت بأعلى صوتي ما بك؟ وما أصابك؟ وما حدث؟خبريني؟ فاذا بها تجيبني بكل فخر واعتزاز وهدوء بتروا يدي الصهاينة خلال استجوابي والتحقيق معي وهم يبحثون عنك في القرية فاشتد غضبي وأقسمت على أن لا أمد يدي لتصافحهم يوما ولا لساني لينطق معهم ولا قدم لتمشي معهم واذا حصل هذا أن أكون جثة هامدة فاطلقوا علي الرصاص وتركوني معتقدين باني فارقت الحياة فحملتها ومضينا معا باتجاه الوادي أسال عن أخبار اهلي وشعبي وعن الاطفال واليتامى والارامل وصقر يطير ليستطلع الطريق ويعود ليرفع ضفيرتها المملؤة بالدماء التي تروي الاعشاب والازهار والارض وبينما نحن نوشك على الوصول من المغارة التي تأويني نهارا وتقذفني ليلا فوجدنا بان هنالك اثار أقدام على بابها فقررنا أن نعود من حيث جئنا التحفنا فجر ذاك اليوم البارد السماء وافترشنا الارض وقلمي بندقيتي ودفتري كان ساحة المعركة فكنت أزرع طلقة فتنبت بندقية وزرعت بندقية فانبتت مدفع وزرعت أوتادا فانبتت أبطالا فسألتها: عن أخي وأبنه غظيان........ عن أهلي وبني شعبي الشجعان.... عن أبطال ...ثوار....قذفهم جنوب لبنان فلم تستطيع أن تجيبني ثورة وبقيت أمام عيناي يشدني بصري اليها ورحت أجوب بحر الافكار العميقة عن لون الدم الذي يعبر عن ظلمة الليل القاسي ومن ذاك المكان البعيد سرقني بصريلكي ألمح أصيل الشرق الذي طالما تغنى به الشعراء وان مفتاح الشرق مفتاح الفرج فما كادت أن تبزغ الشمس الا واطرافي تتثاقل ناظرا اليها مرتعدا خائفا حينما رأيتها تتحول الى أجنحة حقيقية فما كان مني الا وأن حركتها ، فرأيت نفسي أحلق عاليا فوق سماء فلسطين أعانق الغيوم ومن تحتي بقعة من نور ألا وهو المسجد الاقصى وحوله قناديل كثيرة ومصطفة مضيئة تضيء كل ارض فلسطين.